أن المصري لا ينظر إلى اليوناني على انه أجنبي و كذا اليوناني ينادى المصري بكلمة أخي دليل على مدى التقارب كأفراد الأسرة الواحدة
لقد أصبح اليوناني جزءا لا يتجزأ من كيان و تاريخ هذا البلد والصداقات القوية القائمة بين اليونانيين كأفراد وبين المصريين حتى وقتنا هذا خير دليل على ذلك أنها علاقة لا يمكن تفسيرها بسهولة لكن المصريين و اليونانيون وحدهم هم من يفهمون معناها
في بداية القرن التاسع عشر استقبلت مصر العديد من المهاجرين من مختلف الدول الأوروبية وجاء اليونانيون في المقام الأول حيث كانوا أكبر وأكثر الجاليات الأجنبية في مصر وازداد وجودهم في ظل حكم محمد علي باشا حيث استعان بهم في بناء ألدوله الحديثة على النمط الأوروبي واشتهروا بدأبهم على العمل في التجارة، وعملوا في مختلف الحرف والمهن
سنة 1843 تأسست في الإسكندرية أول جمعية للجالية اليونانية في مصر وأعقب ذلك تأسيس جمعيتهم في القاهرة و بورسعيد و الإسماعيلية وميت غمر وأسيوط وغيرها من البلدان
لعبت الجالية اليونانية دورا بارزا في شتى نواحي الحياة المصرية من اقتصادية واجتماعية وسياسية إذ أن الجالية كانت أكثر الجاليات التي اندمجت اجتماعيا مع المصريين
اليونانيون في مصر أصبحوا جزأ من الحياة اليومية خاصة في المجالات الاقتصادية إذ أنهم كانوا يمثلون اكبر الجاليات الأوروبية في مصر وتركز في أيديهم تجارة الجملة والقطاعي والاستيراد والتصدير
تميز اليونانيون بأنهم كانوا يظهرون روحا من التماسك سواء في أوقات الرخاء أو في وقت الأزمات كانوا يعتبرون سمعة كل شركة هي سمعة المجموعة كلها ويبذلون الجهود لإنقاذ أي بيت تجاري من محنته فكانت الروابط الاجتماعية فيما بينهم قوية وكانوا مخلصين لعقيدتهم إلى درجة أنهم كانوا نادرا ما كانوا يتزوجون من خارج عائلاتهم
في بورسعيد كانت الجالية اليونانية هي اكبر الجاليات الأجنبية فى المدينة حيث بدأ الاستعانة بالعمالة الأوروبية في حفر القناة بعد أن قام الخديوي إسماعيل بتعديل شروط اتفاقية حفر القناة
1857م قامت شركة القناة بإقامة المدرسة اليونانية و كانت أول المدارس التي أنشأتها
5/7/1866 أقام ديليسبس كنيسة لليونانيين الموجودين ببورسعيد تشجيعاً لهم على الإقامة بها و تنازل لهم عن الأرض المقامة عليها مجاناً .. وفى البداية فان مبنى هذه الكنيسة كان يكفى للصلاة فقط ، وقد أبدى وكلاء الكنيسة وقسسها ووكيل قنصل اليونان في بورسعيد رغبتهم إلى شركة القناة بتوسيعها نظراً لازدياد عدد اليونانيين ببورسعيد وقد قام ثلاثة من كبار اليونانيين بجمع التبرعات من المسيحيين ببورسعيد لسد نفقات هذا العمل وكانت هذه الكنيسة تتبع بطريرك الروم الأرثوذكس وقد حضر إليها في عام 1881
17 نوفمبر 1869 بعد افتتاح قناة السويس عاد أغلب اليونانيون مرة أخرى إلى اليونان و من تبقى سعى إلى إحضار عائلته و استقروا في بورسعيد ، و الذين ما سارعوا إلى الاندماج مع أهالي المدينة و أصبحوا جزء من هذا المجتمع فشاركوه أفراحه و أحزانه و عاداته و تقاليده و حتى أحداثة السياسية كانوا جزء منها و كان لهم مدارسهم و كنائسهم الخاصة بهم وكذلك صدرت لهم الصحف اليونانية مثل الصحيفة اليونانية الفرنسية التي سميت بروجرس ثم انتقلت إلى القاهرة و كذا صحيفة صوت كاسوس ( مجلة نصف شهرية تصدرها صاحبة الامتياز الجمعية الكاشوطية اليونانية ببورسعيد )
وأصبحت جميع تجارة التجزئة في بورسعيد في يد اليونانيين الذين أقاموا أول سوق تجاري بشارع الجيش
تمركز اليونانيين بطول الشارع الخلفي للكنيسة اليونانية ما بين شارعي محمد علي وصلاح سالم و الذي عرف بحارة الكاشوتية نسبة إلي جزيرة كاسوس اليونانية الذي جاء سكانها للعمل في حفر القناة
والتاريخ لا ينسى كيف وقف بعض أفراد الجالية اليونانية في مصر وفي خارجها بجانب الشعب المصري وبصفة خاصة حين انسحب معظم المرشدين الأجانب من بورسعيد في سبتمبر 1956 بعد تأميم القناة حيث استمر المرشدون اليونانيون و وقعت مصر عقودا جديدة معهم
أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 شارك اليونانيون المصريون في أعمال المقاومة بالنفس والمال وقدموا النقود والتبرعات وأعلنت الجالية اليونانية في مصر أن 223 فردا من أفرادها انضموا إلى جيش التحرير كما اقبل الكثير منهم على مراكز التدريب على أعمال التمريض وتطوع بعضهم بتقديم ملابس لجنود مصر.
وفى عصرنا الحديث مازال اليونانيون حريصون على تدعيم أواصر المحبة يزورون مدينة بورسعيد حتى الآن و يعشقونها و يحبون زيارتها بالرغم من اختلاف المدينة عن السابق و مازالوا يربط بينهم و بين أهل المدينة الصداقات القوية و الروابط المتينة و يسألون عن أفراد الأسرة الواحدة اليونانية المصرية و يتبادلون التهاني سواء في المناسبات الخاصة أو العامة
كما أن الكثير منهم انشأ المواقع الالكترونية و الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة لينشر كل ما يخص بورسعيد من ذكريات في زمن الماضي الجميل وحتى يستمروا في تواصل فكري و عاطفي مع بورسعيد و أهلها من القلب قبل العقل أنها علاقة لا يمكن تفسيرها بسهولة لكن المصريين و اليونانيون وحدهم هم من يفهمون معناها